دخل جبريل u على النبي r في هيئة رجل. ودخول رجل على رجل ليس مفزعًا في حد ذاته رغم أن الرجل غريب ولا يعرفه النبي r، ولكن لماذا خاف النبي r لما رأى جبريل u؟
تعالَوْا نسمع القصة من رسول الله r، وسنعلم لِمَا خاف r.
تروي السيدة عائشة -رضي الله عنها- فتقول: فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ. هكذا بدون مقدمات، ولا سلام، ولا كلام، لم يُعرِّف نفسَه، ولم يسأل الرسول عن نفسه، يخاطبه وكأنه يعرفه من زمن، ويقول له: اقرأ. والرسول لا يدري أي شيء يقرأ، فالرسول أمّيّ لا يعرف القراءة ولا الكتابة، يقول له: اقرأ. فقال r بأدبه الجم، قَالَ:"مَا أَنَا بِقَارِئٍ".
لم يسأله الرسول r من أنت؟ وماذا تريد؟ فهو بُهت بدخوله عليه فجأة، وقوله له: اقرأ. قال الرسول r: ما أنا بقارئ. ففوجئ برد الفعل الذي أفزع الرسول r، هذا الرجل اقترب من الرسول، ثم احتضنه بشدة، يقول الرسول r: قَالَ: فَأَخَذَنِي، فَغَطَّنِي (يعني احتضنني)، حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ (أي كان الأمر شاقًّا جدًّا عليه، والرسول r لم يكن ضعيفًا، بل كان قوي البنية، فمعنى ذلك أن هذا الرجل قوته هائلة)، ثُمَّ أَرْسَلَنِي (تركني).
ثم َقَالَ: اقْرَأْ (المرة الثانية). قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ (المرة الثالثة). فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ.
فقال: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي.
ولكن، لماذا كل ذلك العنف في التبليغ، ذلك ليعلم r أنه لا يحلم وأنه يعيش واقعًا حقيقيًّا، وأن الكلام الذي سيقوله الرجل الآن يحتاج إلى تركيز ووعي، لست تحلم يا محمد هذه حقيقة.
فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1- 5].
من هذا الرجل؟ كيف ظهر؟ وكيف اختفى بعد ما قال هذه الكلمات؟ الرسول لا يعلم، والرسول r هو أبلغ العرب وأفصحهم، وبالتأكيد أنه عرف منذ اللحظة الأولى أن هذا الكلام ليس من كلام البشر هذا كلام معجز.
وثمة أمر آخر وهو أن هذا الرجل الذي جاءه، يتحدث عن الإله الذي يبحث عنه الرسول منذ زمن، فالرسول يعتكف ويتفكر؛ ليعرف من خالق هذا الكون، فهذا الرجل يتحدث عن الإله الذي خلق والذي يتكرم والذي يعلم.
والرجل لم يخبره عن أي شيء يريده منه، لم يخبره أنه سيصبح رسولاً.
قرأ هذه الكلمات التي لم تسمع من قبل على وجه الأرض، ثم اختفى، تركه وذهب، وكان في كل مرة يغطه حتى بلغ منه الجهد، وفي رواية أنه قال r: "لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي".
كل هذه الأمور أدت إلى أن الرسول r يخاف جدًّا ويخشى على نفسه، فذهب يجري إلى بيته قاطعًا اعتكافه باحثًا عن الأمان.
هلع النبي وخوفه !
تقول السيدة عائشة في وصف ذلك الموقف: فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ r يَرْجُفُ فُؤَادُهُ. ولكن لماذا حدث هذا الهلع الشديد وهذا الخوف للنبي r؟
أولاً: هو إثبات لبشرية الرسول r، فنفس ذلك الموقف تكرر مع سيدنا موسى u، فهو بشر r وله كل أحاسيس البشر.
ثانيًا: إثبات عدم انتظار النبي r لأمر النبوة، فبمجرد ظهور الرجل واختفائه خاف وجرى.
ثالثًا: هذا الأمر كان بمنزلة التشويق والتهيئة والإعداد لما سيأتي بعد ذلك.
فبعد ذلك كان النبي r يخرج مرارًا إلى الجبال، لعله يقابل ذلك الرجل الذي جاءه في الغار، فأصبح مشتاقًا إلى قدوم جبريل u.
النبي يقص الأمر على السيدة خديجة
وصل النبي r إلى بيته، تقول السيدة عائشة: فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
كانت السيدة خديجة تحب رسول الله r حبًّا لا يوصف، ولم تذكر كتب السيرة مشاحنة واحدة حدثت بين النبي r وبين السيدة خديجة رضي الله عنها.
روى النبي r هذا الموقف الغريب الذي حدث له للسيدة خديجة -رضي الله عنها- وما قيل له من كلمات، ثم قال لخديجة: "لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي".
كان موقف السيدة خديجة يدعو إلى العجب والاستغراب، فهي لم تخف كعادة النساء أو كطبيعة البشر، بل لم تتعجب أو تتساءل.
وأخذت الأمر بكل بساطة، وكأن الرسول r يقص عليها أمرًا عاديًّا، بل قالت له في يقين غريب: "كَلاَّ وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ".
استنبطت السيدة خديجة أن هذا الرجل صاحب الأخلاق الحميدة لن يخزيه الله أبدًا.
وما أشارت السيدة خديجة إلا إلى معاملاته للناس، وخدماته لهم، ولم تشر من قريب أو من بعيد إلى تحنثه وتعبده واعتكافه.
فالمعاملات مع الناس هي المحك الحقيقي لتقييم الإنسان.
والسيدة خديجة تعي دور الزوجة تمامًا، فعملت على تهدئة النبي r، فهي مثال الزوجة المؤمنة، فهي سكن ومصدر طمأنينة لزوجها، كما أخبر الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الرُّوم: 21].
ولم تشأ هذه المرأة العاقلة الكاملة أن تترك النبي r للأوهام والضلالات، وفضلت أن تذهب إلى أهل العلم والدراية فذهبوا إلى ورقة.
وفي اختيارها ورقة بن نوفل يدل على حكمة ورجاحة عقل هذه المرأة، وعلى فطرتها السليمة النقية، فلم تذهب به إلى كاهن أو خادم للأصنام، ولكن ذهبت به إلى رجل على ديانة السابقين، فكان قد تنصَّر في الجاهلية.
وفي ذلك رسالة إلى كل شباب الأمة، فإن في اختيار الزوجة الصالحة نقطة محورية في حياة الفرد المسلم، وهذه النقطة مهمة في بناء الأمة كلها.
هذا هو الطريق
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ، حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ، وَكَانَ امْرَأً قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ.
وكان ورقة يعلم أن نبيًّا سيخرج في آخر الزمان، وكان ورقة ينتظره. وهذا الأمر يبصرنا بمدى جرم أهل الكتاب، فهم يعرفون أن الرسول r حق وذلك من خلال كتبهم، ومع ذلك لم يؤمنوا، قال تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146].
فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ (وكان يعرف أخلاق النبي r وعرف صفاته): يَابْنَ أَخِي، مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ r خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى.
يصرح ورقة بن نوفل بأمر في غاية الأهمية، يصرح بأن هذا جبريل u، وجبريل لا ينزل إلا على الأنبياء، إذن محمد r أصبح رسول الله.
وتخيل كَمّ الأحاسيس والمشاعر التي جاشت في صدر النبي r وهو يسمع هذا الكلام. أيكون الله U قد اختاره من بين كل الخلق ليكون نبي آخر الزمان.
النبوة ليست مقامًا يصل إليه أحد بالاجتهاد في العبادة، بل هي اختيار واصطفاء من الله U كما يقول سبحانه: {اللهُ يَصْطَفِي مِنَ المَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحج: 75].
الرجل الذي جاءه في الغار لم يخبره أنه رسول، وورقة يتكلم معه بثقة ويقين، حيرة وشك وقع فيهما النبي r.
ولم يتركه ورقة بل قال له خبرا آخر لم يكن أقل خطرًا من الخبر السابق، فقال: يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا (شابًّا)، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: "أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟".
النبي r لم يكن يعلم شيئًا عن الأمم السابقة، وهذا من الإعجاز الواضح؛ لأنه بعد ذلك سيخبر عن هذه الأمم بشيء من التفصيل لا يمكن أن تعرف إلا عن طريق الوحي، وفي ذلك يقول الله U: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ العَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49].
لم يكن النبي r يعرف معاناة الأنبياء، ولا تكذيب أقوامهم لهم، ولذا قال النبي r: "أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟" فقَالَ له ورقة بيقين وثبات: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ عُودِيَ.
وهذه قاعدة من ورقة بن نوفل لكل داعية فما حمل داعية هذا الدين بصدق إلا عودي، فهذه سنة من سنن الله U، تدافع الحق والباطل، صراع بين الدين وأعداء الدين، وهذه السنة باقية إلى يوم القيامة، ثم يقول ورقة: وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ، وقد صدّق بالنبي r حتى قبل التصريح بالرسالة، روى الحاكم عن عائشة بإسناد جيد أن رسول الله r قال: "لاَ تَسُبُّوا وَرَقَةَ؛ فَإِنِّي رَأَيْتُ لَهُ جَنَّةً أَوْ جَنَّتَيْنِ".
مات ورقة، لكنه سطر قاعدة أصيلة خلفته من بعده، ما دام الصراع بين الحق والباطل: ما جاء رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي.
فهذه رسالة إلى كل الدعاة أن هذا هو الطريق.
انقطاع مقلق
وبعد كلام ورقة بن نوفل أراد رسول الله r أن يتيقن من صحة ذلك الكلام، فهذه قضية ضخمة جدًّا وهائلة لا يصح للنبي r أن يبني فيها قرارًا أو رأيًا دون تيقن كامل أنه نبي، ولو كان نبيًّا فما المطلوب منه؟ إن الرجل الذي جاءه لم يخبره بشيء.
في تلك الأوقات تمنى النبي r أن يقابل جبريل مرة ثانية، ليؤكد له أمر الرسالة، ويخبره بما يقوم به، لكن مع تعلق قلب الرسول r واشتياقه لرؤية جبريل شاء الله أن يفتر الوحي.
واختلف المؤرخون في مدة انقطاع الوحي، ولكن في أغلب الظن أنها كانت أيامًا من ثلاثة أيام إلى أربعين يومًا.
كان انقطاع الوحي بمنزلة صدمة للنبي r فهو لم يتيقن بعد، ويريد أن يتيقن والشك شعور قاتل، كان النبي r متوقعًا أنه إذا ذهب إلى الغار سيجد هناك جبريل أو يلقاه في مكان آخر، وكان r يخرج إلى الجبال، لعله يلتقي بجبريل، لكن جبريل u لم ينزل.
كان هذا التأخر ليزداد النبي r اشتياقًا إلى الرسالة، فالرسالة مهمة ثقيلة جدًّا، يقول سبحانه: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} [المزمل: 5].
فإن لم يكن حامل هذه الرسالة متشوقًا إليها سيكون حملاً صعبًا جدًّا، بل لعله مستحيل، فارق كبير بين أن تبحث الدعوة عن رجل ليحملها، أو يبحث الرجل عن الدعوة ليحملها.
من هنا بدأت الرسالة
ولما كان يبلغ الحزن بالنبي r المبلغ، يأتيه جبريل، ويقول له: يا محمد، إنك رسول الله حقًّا. فيسكن النبي r، لكن ليست هناك تبليغات بالرسالة، لا يزيد عن قوله: يا محمد، إنك رسول الله حقًّا.
ثم جاء اليوم الذي سيبدأ النبي r فيه رحلة النبوة والتبليغ والتبشير والإنذار هذه الرحلة الصعبة، فيقول r وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ عَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ أَمَامِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ خَلْفِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، ثُمَّ نُودِيتُ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي إلى السماء، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَرُعِبْتُ مِنْهُ حَتَّى هَوِيتُ عَلَى الأَرْضِ، فَرَجَعْتُ حَتَّى أَتَيْتُ خَدِيجَةَ، فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، دَثِّرُونِي دَثِّرُونِي، وَصُبُّوا عَلَيَّ ماءً باردًا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدَّثر: 1- 5].
وكان هذا هو الأمر الواضح بالرسالة وبالتبليغ وبالإنذار، فتغيرت حالة النبي r من حالة الشك والارتياب وعدم التأكد من أمر النبوة إلى حالة من العزيمة والقوة والإصرار والنشاط، ولما كانت تطلب منه السيدة خديجة بعض الراحة كان يقول: مَضَى عَهْدُ النَّوْمُ يَا خَدِيجَةُ.
وجد النبي r تفسيرات لما كان يحدث له قبل النبوة، من سلام الحجر عليه، وشق الصدر، وعرف الرجل الذي جاءه في غار حراء.
وبدأ النبي r الرحلة الطويلة الشاقة رحلة الدعوة إلى الله التي بدأت بقول الله U له: {قُمْ} وفي ذلك يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله: قيل لرسول الله r {قُمْ}. فقام، وظل قائمًا بعدها أكثر من عشرين عامًا، لم يسترح، ولم يسكن، ولم يعش لنفسه ولا لأهله، قام وظل قائمًا على دعوة الله، يحمل على عاتقه العبء الثقيل الباهظ ولا ينوء به؛ عبء الأمانة الكبرى في هذه الأرض، عبء البشرية كلها، وعبء العقيدة كلها، وعبء الكفاح والجهاد في ميادين شتى.
قام النبي r بعد هذه الكلمات ولم يقعد إلى أن مات، وما ترك فردًا ولا قبيلة ولا صغيرًا ولا كبيرًا ولا سيدًا ولا عبدًا إلا ودعاه إلى الله.